كثيراتٌ من الفتيات بعد الانفصال عن الخطيب أو الحبيب يواجهنّ صعوبة في مواجهة آثار قيود التعلق العاطفي، وتجاوز الفراغ الذي تركه الشاب في قلوبهنّ، قررت زهرة أن تروي لكم قصة فتاة استطاعت أن تتخطى هذه الفترة بطريقة رائعة.
تقول إحداهنّ:
كنت أحسب نفسي ناضجة ولديّ من الإمكانات العقلية ما يكفي لإطلاق الأحكام على ما يحدث معي من الأمور حتى بدون الرجوع إلى أهلي وخاصتي…
مضت الآن سنتان على اللقاء الأول الذي كان بيننا، ومضت ستة شهور على انفصالنا…
لايزال عالقًا فيّ، أرى صورته في كل وجه ألقاه، أعيش الأحداث التي كانت بيننا كل لحظة، أتذكر كلمات الحب والوعود الجميلة والأحلام الوردية، وأصعب ما في الأمر زيارة طيفه لي كلّ مساء، لا يترك لي راحة ولا سكينة…
لم أعد تلك الإنسانة المُتَّزِنة، فقد صرت عصبيةً في الآونة الأخيرة، لدرجة أني قد أجرح أحدهم بكلماتي دون أن أكترث، حتى في تعاملي مع أطفال صغار (بحكم عملي) لا يدركون معنى الحقد والكره مع أني كنت محبوبة جدا لديهم…
إلى أن وجدت نفسي يوما في كلمات مريم الصغيرة التي نهرتُها لا أدري عن ماذا ولكنها أجابتني والشفقة في عينيها: “آنسة أنا أدعو لك كل يوم”.
زادت كلماتها ألمي، وأدركت حينها كم أنا ظالمة بحقّ نفسي وبحقّ هؤلاء الصغار..
قررت يومها أن اصطلح مع الله، وأن أبدأ عهدًا جديدًا، ونويت التغيير ولكني لا أدري كيف!
سألت الكثيرات من أخواتي المتدينات، فكان غاية ما نصحنني به الدعاء والالتجاء إلى الله وإشغال نفسي.
في الحقيقة بداية الأمر كنت أطلب الدعاء ممن حولي وخاصة والدايّ…ثم بدأت أدعو لنفسي وأتذكر أيامي.
أيامي، يوم كنت خفيفة دون قيود، أصبحت ألحّ على الله بأني أشتاق إلى النسخة القديمة مني، إلى العلاقة الطيبة مع نفسي ومع الله ومع من حولي … أدعو وأبكي بحرقة.
بداية الأمر لم أزِد على حذف ما يذكرني به، بل لطالما حذفت رقمه ثم بلحظة ضعف أعيد حفظه لأراقب حالته وظهوره، لكنّ إرادتي بالتغيير حاضرة دومًا… فقد رسمت لنفسي خطين: خط أريد الاقتراب منه والتغيير، وخط أريد الابتعاد عنه والنسيان.
خطوات فك التعلق العاطفي
وبينما كنت بين الخطين أتخبط، إلى أن عثرت على فيديو يتكلم عن فك التعلق العاطفي، ظننت أنّ الأمر سخف من سخافات بعض من يتكلمون دون علم في مجال التنمية البشرية، لكنّ الغريق يتعلّق بقشة…
أنصتت إلى المتحدث غاية الإنصات، كان الوقت مساء حين أكون في قمة تعاستي وأغرق بدموعي وذكرياتي..
طلب المتحدث في الفيديو الاسترخاء، يسمونه “التنفس الاسترخائي” (ابحثي عنه)
جربته سبع مرات وفعلا أحسست بالاسترخاء…
ثم فاجأني المتحدث بالخطوة التالية حين قال:
استحضر ما أنت متعلق به وأي شيء تريده منه، والآن أخرج كل مشاعرك تجاهه، كلها…
(ثم يعطيك وقتا لتفرغ مشاعرك)
مثلا: ما أكتر شي تحبه ممن فقدته لو نلت القرب منه؟
مثلا انت تحب قربه، كلمات معينة يقولها لك، لمسات معينة، وصل جسدي معيّن…
استحضر كل ذلك في ذهنك… كل شيء تسعَدُ به معه…
والآن بعد أن عشت الموقف…. أهذا هو؟!
ألا تراه شيئًا صغيرًا، بسيطًا، أكبر لذة منه لن يتجاوز التلذذ بها دقائق معدودات سرعان ما تُنسى بهجتها بعدها…
بعد أن تستحضر ما تريد وتفرغ المشاعر مباشرة سترى أنَّ الأمر كان عاديًا جدًا وأنه ليس بالصورة والقالب الذي تخيلت…
ثم بعد أن يعطيك وقتا لتفرِّغ مشاعرك…. يسأل مقدم الفيديو: “هل هذا حقا ما تريده؟!!”
إنه شيء صغير، صغيرٌ وأنت قيمتك كبيرة… كبيرة جدا.. أكبر من ذلك.
الآن استحضر في داخلك أنك ستعيش لآخر يوم من حياتك دون هذا الشيء الصغير… وخاطب نفسك قائلا لها: “عادي جدًا ولا فارقة معي”.
كرر ذلك مرارًا وتكرارًا، ستجد انّ الأمر عادي جدا وقيمتك أكبر من ذلك…
خطة (س.ن) في فك التعلق العاطفي :
بصراحة بالرغم من أنني لم أكن مقتنعة بادئ الأمر بما يقول … لكنني حاولت وكانت النتائج رائعة!!
لا أكذب إن قلت لكم أني أحسست نفسي خفيفة وحرّة وأنّ الأمر عادي كما قال المتحدث،
ثم نمت يومها ملء جفوني واستغرقت بالنوم …
في الصباح قلت لنفسي: “لن تطول هذه السكينة فالأمر يبدو مثل مسلسل كرتوني”…
لكنني وبعد إعادة التدريب أكثر من مرة أحسست بأن حياتي بدأت من جديد وأني بدأت أتغير، وأول ما تحررت منه هاتفي الجوال وأمور كثيرة كانت فيه ثم أشياء كثيرة غيرها…
وحين بحثت عن سرّ ذلك وجدت تفسيرًا رائعًا وهو: “إنّ كل ما تأخذه في لحظه استمتاع يحتفظ به عقلك اللاواعي” لذا أخرجه من ذات الباب الذي دخل منه، وهو باب الاسترخاء والاستمتاع ثم القناعة
(ثلاثة مراحل على التسلسل: الاسترخاء – الاستمتاع – القناعة)
لتصل أفكارنا إلى العقل اللاواعي وتصير قناعة، لابد أن نسترخي ونحس بالمتعة، وفي هذه اللحظة يكون العقل اللاواعي مهيأً لاستقبال القناعة… في هذه اللحظات ردد ما تريد أن يكون قناعةً جديدة، خاصة وأنك منذ قليل فرّغت مشاعر الاستمتاع وهذه بحد ذاتها فرصة…
لماذا هي فرصة؟ لأن تفريغي للمشاعر أول شيء يعطيني إياه هو فقد الرغبة فيما تعلقت به…
جربي ما أقول ولن تسعكِ فرحة الحرية، وإحساسك العارم بنشوة الخطوة الأولى، ذات النشوة التي تتملك الطفل حين يخطو الخطوة الأولى…
لا أنكر أن هناك وقعات ومحاولات، ولكن الأمل بات يكبر في داخلي كل يوم، فما من طفل خطى إلا ومشى…
أستطيع الآن إشغال نفسي بدراستي وعملي وبصحبة جيدة جديدة… وبالإكثار من الدعاء لنفسي بالثبات.
لا ننكر أن التعلق أمر صعب، وأنا أحدثكنَّ عن تجربة، ولكنني أقول بأن تجربتي أكدت لي أنّ الشفاء منه ليس مستحيلًا، فقط يلزمنا أن نبحث عن الوسيلة الصحيحة وأن نمتلك بعض الإرادة لكي نعمل عليها…
تمنياتي من أعماقي بشفاء كل قلبٍ مكلوم… دمتم بخير.
بقلم الكاتبة: سناء حاج إسماعيل
اقرأي أيضًا: ما حقيقة خاتم الزواج
أحسن الله إليكم آنسة ثناء
بوركت جهودكِ وسلمت يُمناكِ آنسة سناء